لا تبْخلي بالزّيْتِ والْحَطَبِ
رُشّي عليَّ النّارَ والْتَهِبي
هذا دَمي لِلأرْضِ أُنْذِرُهُ
فالْماءُ يغْلي في فَمِ السُّحُبِ
حُريَّةُ الأوْطانِ بُرْعُمُها
ينْمو على غُصْنِ الفِدا الخَصِبِ
شَجَرُ البِلادِ يصيحُ مُنْتفضاً
هبّتْ عَليْها مَوْجةُ الغَضَبِ
والْبحْرُ هاجَ على شواطئِها
رشَقَ اللظى في لُجّةِ اللهَبِ
غرِقَ الظّلامُ بِطيشِهِ وَطفا
يرْميهِ مَوْجُ الفجْرِ كالْخَشَبِ
وسَلاسِلُ السجّانِ قَدْ صدأتْ
قُطِعتْ حِبالُ الظُلْمِ والْكذِبِ
حَفَرَتْ حِجارَتُنا مَلامِحَها
في دَفْترِ التاريخِ والتُّرَبِ
هذا كتابٌ سوْفَ تقرؤهُ
أجيالُ أمّتِنا مَدى الْحُقَبِ
نهْرُ الشّعوبِ يَسيرُ في ثِقةٍ
فَوْقَ السّدودِ وسادَةِ الْعَجَبِ
تِلْكَ الطّحالبُ سَوْفَ يَجْرِفُها
لا فَرْقَ عِنْدَ الْمَوْتِ في الرُّتَبِ
وَعَواصِفُ الأقْدارِ ساخِرَةٌ
بِسَفينَةِ الْقُبْطانِ والنّسَبِ
في كلِّ حُلْمٍ يُقْسِمونَ لنا
سَيُطرِّزونَ الليْلَ بالشّهُبِ
أوَ لمْ يقولوا سَوْفَ نُرْجعُكمْ
ويُحاكُ ثوْبُ القُدْسِ بِالْقَصَبِ؟
حَتّى صَداهُمْ لا يُصَدّقُهُمْ
والشّعْبُ ضاقَ بِلُعْبةِ الْخُطَبِ
حُرِيّتي صَلبوا وأُغْنيتي
قدْ غلّفوا الأحْزانَ بالذّهَبِ
لَنْ يهدأَ الْبُرْكانُ في كبِدي
فدَواؤنا يا داءُ في السّبَبِ
أُخْتاهُ أنْتِ ضميرُ أُمّتِنا
والْحُلْمُ في لَيْلاءِ مُغْتَرِبِ
خضْراءَ في قَلْبي وذاكِرَتي
تبْقينَ دَوْماً دُرّةَ الْعَرَبِ
لا تخْجلي… يا دَمْعتي انْسَكبي
هذا عبيرُ النّصْرِ لا الْوَصَبِ
إبْريقُكِ الْقَمَريُّ مُمْتَلئٌ
بِشُعاعِ حُبِّ النّحْلِ لِلْعِنَبِ
يا نَجْمةً في العَيْنِ ساهِرَةً
صُبّي عَليَّ الصُّبْحَ وَاقْتَرِبي
يا تونسُ الْخَضْراءُ سَيّدَتي
يا قامَةَ الشّعَراءِ والأدَبِ
يا تونسُ الْعَذْْراءُ مَعْذِرَةً
سَئِمَتْ حُروفي السّجْنَ في الْكُتُبِ
ما قيمَةُ الدّنْيا بِلا وَطَنٍ
تشْدو الطّيورُ بِمَرْجِهِ الرّحِبِ؟